فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما قوله: {فَأَرْسِلُونِ} خطاب إما للملك والجمع أو للملك وحده على سبيل التعظيم، أما قوله: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق} ففيه محذوف، والتقدير: فأرسل وأتاه وقال أيها الصديق، والصديق هو البالغ في الصدق وصفه بهذه الصفة لأنه لم يجرب عليه كذبًا وقيل: لأنه صدق في تعبير رؤياه وهذا يدل على أن من أراد أن يتعلم من رجل شيئًا فإنه يجب عليه أن يعظمه، وأن يخاطبه بالألفاظ المشعرة بالإجلال ثم إنه أعاد السؤال بعين اللفظ الذي ذكره الملك ونعم ما فعل، فإن تعبير الرؤيا قد يختلف بسبب اختلاف اللفظ كما هو مذكور في ذلك العلم.
أما قوله تعالى: {لَّعَلّى أَرْجِعُ إِلَى الناس لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} فالمراد لعلي أرجع إلى الناس بفتواك لعلهم يعلمون فضلك وعلمك وإنما قال لعلي أرجع إلى الناس بفتواك لأنه رأى عجز سائر المعبرين عن جواب هذه المسألة فخاف أن يعجز هو أيضًا عنها، فلهذا السبب قال: {لَّعَلّى أَرْجِعُ إِلَى الناس}.
{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ}
اعلم أنه عليه السلام ذكر تعبير تلك الرؤيا فقال: {تَزْرَعُونَ} وهو خبر بمعنى الأمر، كقوله: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228]: {والوالدات يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233] وإنما يخرج الخبر بمعنى الأمر، ويخرج الأمر في صورة الخير للمبالغة في الإيجاب، فيجعل كأنه وجد فهو يخبر عنه والدليل على كونه في معنى الأمر قوله: {فَذَرُوهُ في سُنبُلِهِ} وقوله: {دَأَبًا} قال أهل اللغة: الدأب استمرار الشيء على حالة واحدة وهو دائب بفعل كذا إذا استمر في فعله، وقد دأب يدأب دأبًا ودأبًا أي زراعة متوالية في هذه السنين.
قال أبو علي الفارسي: الأكثرون في دأب الإسكان ولعل الفتحة لغة، فيكون كشمع وشمع، ونهر ونهر.
قال الزجاج: وانتصب دأبًا على معنى تدأبون دأبًا.
وقيل: إنه مصدر وضع في موضع الحال، وتقديره تزرعون دائبين فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلًا مما تأكلون كل ما أردتم أكله فدوسوه ودعوا الباقي في سنبله حتى لا يفسد ولا يقع السوس فيه، لأن إبقاء الحبة في سنبله يوجب بقاءها على الصلاح: {ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك سَبْعٌ شِدَادٌ} أي سبع سنين مجدبات، والشداد الصعاب التي تشتد على الناس، وقوله: {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} هذا مجاز، فإن السنة لا تأكل فيجعل أكل أهل تلك السنين مسندًا إلى السنين.
وقوله: {إِلاَّ قَلِيلًا مّمَّا تُحْصِنُونَ} الإحصان الإحراز، وهو إلقاء الشيء في الحصن يقال أحصنه إحصانًا إذا جعله في حرز، والمراد إلا قليلًا مما تحرزون أي تدخرون وكلها ألفاظ ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله: {ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس} قال المفسرون السبعة المتقدمة سنو الخصب وكثرة النعم والسبعة الثانية سنو القحط والقلة وهي معلومة من الرؤيا، وأما حال هذه السنة فما حصل في ذلك المنام شيء يدل عليه بل حصل ذلك من الوحي فكأنه عليه السلام ذكر أنه يحصل بعد السبعة المخصبة والسبعة المجدبة سنة مباركة كثيرة الخير والنعم، وعن قتادة زاده الله علم سنة.
فإن قيل: لما كانت العجاف سبعًا دل ذلك على أن السنين المجدبة لا تزيد على هذا العدد، ومن المعلوم أن الحاصل بعد انقضاء القحط هو الخصب وكان هذا أيضًا من مدلولات المنام، فلم قلتم إنه حصل بالوحي والإلهام؟
قلنا: هب أن تبدل القحط بالخصب معلوم من المنام، أما تفصيل الحال فيه، وهو قوله: {فِيهِ يُغَاثُ الناس وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} لا يعلم إلا بالوحي، قال ابن السكيت يقال: غاث الله البلاد يغيثها غيثًا إذا أنزل فيها الغيث وقد غيثت الأرض تغاث، وقوله: {يُغَاثُ الناس} معناه يمطرون، ويجوز أن يكون من قولهم: أغاثه الله إذا أنقذه من كرب أو غم، ومعناه ينقذ الناس فيه من كرب الجدب، وقوله: {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} أي يعصرون السمسم دهنًا والعنب خمرًا والزيتون زيتًا، وهذا يدل على ذهاب الجدب وحصول الخصب والخير، وقيل: يحلبون الضروع، وقرئ: {يَعْصِرُونَ} من عصره إذا نجاه، وقيل: معناه يمطرون من أعصرت السحابة إذا عصرت بالمطر، ومنه قوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات مَاء ثَجَّاجًا} [النبأ: 14]. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وقال الذي نجا منهما وادّكر بَعْدَ أمة}
فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني بعد حين، قاله ابن عباس.
الثاني: بعد نسيان، قاله عكرمة.
الثالث: بعد أمة من الناس، قاله الحسن.
قال الحسن: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة وجمع له شمله فعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة.
وقرئ: {وادّكر بعد أمَةٍ} بفتح الألف وتخفيف الميم، والأمه: بالتخفيف النسيان.
{أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون} أي أخبركم بمن عنده علم بتأويله ثم لم يذكره لهم.
قال ابن عباس: لم يكن السجن بالمدينة فانطلق إلى يوسف حين أذن له وذلك بعد أربع سنين بعد فراقه.
قوله عز وجل: {يوسف أيها الصديق أفتنا} احتمل تسميته بالصديق وجهين:
أحدهما: لصدقه في تأويل رؤياهما.
الثاني: لعلمه بنبوته. والفرق بين الصادق والصديق أن الصادق في قوله بلسانه، والصديق من تجاوز صدقه لسانه إلى صدق أفعاله في موافقة حاله لا يختلف سره وجهره، فصار كل صدّيق صادقًا وليس كل صادق صدّيقًا.
{أفتنا في سبع بقرات سمان} قال قتادة: هي السنون المخصبات.
{يأكلهن سبع عجافٌ} قال قتادة: هي السنون المجدبات.
{وسبع سنبلات خضر وأُخر يابسات} والخضر الخصب لأن الأرض بنباتها خضراء، واليابسات هي الجدب لأنّ الأرض فيه يابسة، كما أن ماشية الخصب سمان، وماشية الجدب عجاف.
{لعلي أرجع إلى الناس} أي لكي أرجع إلى الناس وهو الملك وقومه، ويحتمل أن يريد الملك وحده فعبر عنه بالناس تعظيمًا له.
{ولعلهم يعلمون} لأنه طمع أن يعلموا وأشفق أن لا يعلموا، فلذلك قال: {لعلهم يعلمون} يعني تأويلها. ولم يكن ذلك منه شكًا في علم يوسف. لأنه قد وقر في نفسه علمه وصدقه، ولكن تخوف أحد أمرين إما أن تكون الرؤيا كاذبةً، وإما ألاّ يصدقوا تأويلها لكراهتهم له فيتأخر الأمر إلى وقت العيان.
قوله عز وجل: {قال تزرعون سبع سنين دأبًا} فيه وجهان:
أحدهما: يعني تباعًا متوالية.
الثاني: يعني العادة المألوفة في الزراعة.
{فما حصدتم فذروه في سُنْبُلهِ إلا قليلًا مما تأكلون} يعني فيخرج من سنبله لأن ما في السنبل مدخر لا يؤكل، وهذا القول منه أمر، والأول خبر، ويجوز لكونه نبيًا أن يأمر بالمصالح، ويجوز أن يكون القول الأول أيضًا أمرًا وإن كان الأظهر منه أنه خبر.
قوله عز وجل: {ثم يأتي من بعد ذلك سبعٌ شداد} يعني المجدبات لشدتها على أهلها.
وحكى زيد بن أسلم عن أبيه أن يوسف كان يصنع طعام اثنين فيقربه إلى رجل فيأكل نصفه ويدع نصفه، حتى إذا كان يومًا قربه له فأكله كله، فقال يوسف: هذا أول يوم السبع الشداد.
{يأكلن ما قدمتم لهن} يعني تأكلون فيهن ما ادخرتموه لهن.
{إلا قليلًا مما تحصنون} فيه وجهان:
أحدهما: مما تدخرون، قاله قتادة.
الثاني: مما تخزنون في الحصون.
ويحتمل وجهًا ثالثًا: إلا قليلًا مما تبذرون لأن في استبقاء البذر تحصين الأقوات.
قوله عز وجل: {ثم يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يغاث الناس} فيه وجهان:
أحدهما: يغاثون بنزول الغيث، قاله ابن عباس.
الثاني: يغاثون بالخصب، حكاه ابن عيسى.
{وفيه يعصرون} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: يعصرون العنب والزيتون من خصب الثمار، قاله مجاهد وقتادة.
الثاني: أي فيه يجلبون المواشي من خصب المراعي، قاله ابن عباس.
الثالث: يعصرون السحاب بنزول الغيث وكثرة المطر، من قوله تعالى: {وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجَّاجًا} [النبأ: 14]. قاله عيسى بن عمر الثقفي.
الرابع: تنجون، مأخوذ من العُصْرة وهي المنجاة، قاله أبو عبيدة والزجاج، ومنه قول الشاعر:
صاديًا يستغيث غير مغاث ** ولقد كان عُصْرَة المنجود

الخامس: تحسنون وتفضلون، ومنه قول الشاعر:
لو كان في أملاكنا ملك ** يعصر فينا مثل ما تعصر

أي يحسن: وهذا القول من يوسف غير متعلق بتأويل الرؤيا وإنما هو استئناف خبر أطلقه الله تعالى عليه من آيات نبوته. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَقَالَ الَّذي نَجَا منْهُمَا}
و{ادكر} أصله ادتكر- افتعل- من الذكر، قلبت التاء دالًا وأدغم الأول في الثاني، ثم بدلت دالًا غير منقوطة لقوة الدال وجلدها، وبعض العرب يقول: اذكر؛ وقرئ: {فهل من مذكر} [القمر: 15، 17، 22، 32، 40، 51] بالنقط و: {من مدكر} [القمر: 15، 17، 22، 32، 40، 51] على اللغتين؛ وقرأ جمهور الناس: {بعد أمة} وهي المدة من الدهر، وقرأ ابن عباس وجماعة {بعد أمة} وهو النسيان، وقرأ مجاهد وشبل بن عزرة {بعد أمه} بسكون الميم وهو مصدر من أمه إذا نسي، وقرأ الأشهب العقيلي {بعد إمة} بكسر الهمزة، والإمة: النعمة والمعنى: بعد نعمة أنعمها الله على يوسف في تقريب إطلاقه وعزته.
وبقوله: {ادكر} يقوي قول من يقول: إن الضمير في: {أنسانيه} [الكهف: 63] عائد على الساقي، والأمر محتمل.
وقرأ الجمهور: {أنا أنبئكم} وقرأ الحسن بن أبي الحسن: {أنا آتيكم}، وكذلك في مصحف أبي بن كعب.
وقوله: {فأرسلون} استئذان في المضي، فقيل: كان السجن في غير مدينة الملك- قاله ابن عباس- وقيل: كان فيها.
قال القاضي أبو محمد: ويرسم الناس اليوم سجن يوسف في موضع على النيل بينه وبين الفسطاط ثمانية أميال.
{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ}
المعنى: فجاء الرسول- وهو الساقي- إلى يوسف فقال له: يا يوسف: {أيها الصديق}- وسماه صديقًا من حيث كان جرب صدقه في غير شيء- وهو بناء مبالغة من صدق، وسمي أبو بكر صديقًا من صدق غيره، إذ مع كل تصديق صدق، فالمصدق بالحقائق صادق أيضًا، وعلى هذا سمي المؤمنون صديقين في قوله تعالى: {والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون} [الحديد: 19].
ثم قال: {أفتنا في سبع بقرات} أي فيمن رأى في منام سبع بقرات، وحكى النقاش حديثًا روى فيه: أن جبريل عليه السلام دخل على يوسف في السجن وبشره بعطف الله تعالى عليه، وأخرجه من السجن وأنه قد أحدث للملك منامة جعلها سببًا لفرج يوسف. ويروى أن الملك كان يرى: {سبع بقرات سمان} يخرجن من نهر، وتخرج وراءها: {سبع عجاف}، فتأكل العجاف السمان، فكان يعجب كيف غلبتها وكيف وسعت السمان في بطون العجاف، وكان يرى: {سبع سنبلات خضر} وقد التفت بها سبع يابسات، حتى كانت تغطي خضرتها فعجب أيضًا لذلك.
وقوله: {لعلهم يعلمون} أي تأويل هذه الرؤيا، فيزول هم الملك لذلك وهم الناس. وقيل: {لعلهم يعلمون} مكانتك من العلم وكنه فضلك فيكون ذلك سببًا لتخلصك.
وقوله تعالى: {قال تزرعون} الآية، تضمن هذا الكلام من يوسف عليه السلام ثلاثة أنواع من القول:
أحدها: تعبير بالمعنى لا باللفظ.
والثاني: عرض رأي وأمر به، وهو قوله: {فذروه في سنبله}.
والثالث: الإعلام بالغيب في أمر العام الثامن، قاله قتادة.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل هذا ألا يكون غيبًا، بل علم العبارة، أعطى انقطاع الجدب بعد سبع، ومعلوم أنه لا يقطعه إلا خصب شاف، كما أعطى أن النهر مثال للزمان. إذ هو أشبه شيء به فجاءت البقرات مثالًا للسنين.
و{دأبا} معناه: ملازمة لعادتكم في الزراعة، ومنه قول امرئ القيس: الطويل:
كدأبك من أم الحويرث قبلها **

البيت.
وقرأ جمهور السبعة {دأْبًا} بإسكان الهمزة، وقرأ عاصم وحده {دأَبًا} بفتح الهمزة، وأبو عمرو يسهل الهمزة عند درج القراءة، وهما مثل: نهر ونهر. والناصب لقوله: {دأبًا}، {تزرعون}، عند أبي العباس المبرد، إذ في قوله: {تزرعون} تدأبون، وهي عنده مثل قولهم: قعد القرفصاء، واشتمل الصماء؛ وسيبويه يرى نصب هذا كله بفعل مضمر من لفظ المصدر يدل عليه هذا الظاهر، كأنه قال: تزرعون تدأبون دأبًا.
وقوله: {فما حصدتم فذروه} هي إشارة برأي نبيل نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل، فإن الحبة إذا بقيت في خبائها انحفظت والمعنى: اتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل، فيجتمع الطعام هكذا ويتركب، ويؤكل الأقدم فالأقدم؛ فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الناس الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر، وادخروا أيضًا الشيء الذي يصاب في أعوام الجدب على قلته، وحملت الأعوام بعضها على بعض حتى يتخلص الناس، وإلى هذه السنين أشار النبي عليه السلام في دعائه على قريش:
«اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف»، فابتدأ ذلك بهم ونزلت سنة حصت كل شيء حتى دعا لهم النبي عليه السلام فارتفع ذلك عنهم ولم يتماد سبع سنين، وروي أن يوسف عليه السلام لما خرج ووصف هذا الترتيب للملك وأعجبه أمره، قال له الملك: قد أسندت إليك تولي هذا الأمر في الأطعمة هذه السنين المقبلة، فكان هذا أول ما ولي يوسف.
وأسند الأكل في قوله: {يأكلن} إلى السنين اتساعًا من حيث يؤكل فيها كما قال تعالى: {والنهار مبصرًا} [النمل: 86، يونس: 67، غافر: 61] وكما قال: نهارك بطال وليلك قائم؛ وهذا كثير في كلام العرب. ويحتمل أن يسمى فعل الجدب وإيباس البلالات أكلًا، وفي الحديث: «فأصابتهم سنة حصت كل شيء»؛ وقال الأعرابي في السنة جمشت النجم، والتحبت اللحم، وأحجنت العظم.
و{تحصنون} معناه تحرزون وتخزنون، قاله ابن عباس، وهو مأخوذ من الحصن وهو الحرز والملجأ، ومنه تحصن النساء لأنه بمعنى التحرز.
وقوله: {يغاث} جائز أن يكون من الغيث، وهو قول ابن عباس ومجاهد وجمهور المفسرين، أي يمطرون، وجائز أن يكون من أغاثهم الله، أذا فرج عنهم، ومنه الغوث وهو الفرج.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم {يَعصِرون} بفتح الياء وكسر الصاد، وقرأ حمزة والكسائي ذلك بالتاء على المخاطبة، وقال جمهور المفسرين: هي من عصر النباتات كالزيتون والعنب والقصب والسمسم والفجل وجميع ما يعصر، ومصر بلد عصر لأشياء كثيرة؛ وروي أنهم لم يعصروا شيئًا مدة الجدب، والحلب منه لأنه عصر للضروع. وقال أبو عبيدة وغيره: ذلك مأخوذ من العصرة والعصر وهو الملجأ ومنه قول أبي زبيد في عثمان رضي الله عنه: الخفيف:
صاديًا يستغيث غير مغاث ** ولقد كان عصرة المنجود

ومنه قول عدي بن زيد: الرمل:
لو بغير الماء حلقي شرق ** كنت كالغصّان بالماء اعتصاري

ومنه قول ابن مقبل: البسيط:
وصاحبي وهوه مستوهل زعل ** يحول بين حمار الوحش والعصر

ومنه قول لبيد: الطويل:
فبات وأسرى القوم آخر ليلهم ** وما كان وقافًا بغير معصر

أي بغير ملتجأ، فالآية على معنى ينجون بالعصرة.
وقرأ الأعرج وعيسى وجعفر بن محمد {يُعصَرون} بضم الياء وفتح الصاد، وهذا مأخوذ من العصرة، أي يؤتون بعصرة؛ ويحتمل أن يكون من عصرات السحاب ماءها عليهم، قال ابن المستنير: معناها يمطرون، وحكى النقاش أنه قرئ: {يعصرون} وجعلها من عصر البلل ونحوه. ورد الطبري على من جعل اللفظة من العصرة ردًا كثيرًا بغير حجة. اهـ.